المقدمة:
ابو فراس الحمداني الامير الاسير, الشاعر الفارس , ظلمه القدر مرتين , الاولى عندما عرفه ما في الامارة من العز , ليذيقه بعد ذلك ما في الاسر من الذل !وظلمه مرة ثانية عندما شاء له ان يكون معاصرا للمتنبي, بل جعل من هذا الشاعر مقيما معه في نفس البلاط , و لا يخفى على احد من هو المتنبي في عالم الشعر.
ابو فراس الحمداني فارس هذا الميدان , ان شئت ضربا وطعنا , وان شئت لفظا ومعنى , ملك زمانا , وملك امانا وكان اشعر الناس في المملكة , واشعرهم في ذل الملكة , وله الفخريات التي لا تعارض , و الاسريات التي لا تناهض.
نشأتة:
كانت نشأة أبي فراس وطفولته في ظل والدته التي حدبت على رعايته، وتحت عطف زوج أخته سيف الدولة وتتلمذ على اللغوي الشهير ابن خالويه وغيره، كما شاهد أرباب القلم يفدون على بلاط سيف الدولة، واحتك بهم، ونبغ في الشعر، فتغزل ووصف المعارك، وله في الأسر قصائد كثيرة مشهورة عرفت بـ"الروميات" تعتبر من أرق شعره وأجمله. سخر أبو فراس شعره ليتحدث عن مشاعره وأحاسيسه، فقد كان وجدانيا يصف ما يقع تحت بصره من حوادث ووقائع، وما يعتلج في صدره من آلام وآمال، ولأبي فراس مكانة عند مؤلفي الأدب، فقد قيل فيه: "بُدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني امرؤ القيس وأبا فراس"..
نسبه وحياته:
هو ابو فراس الحارث بن ابي العلاء سعيد بن حمدان الحمداني, ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة ابني حمدان .وكنيته ابو فراس من اسماء الاسد. ينتسب من حهة ابيه الى العرب , ومن جهة امه الى الروم , وهو يشير الى ذلك بقوله:
اذا خفت من اخوالي الروم خطة تخوفت من اعماقي العرب اربعا
وقيل بل امه عربي , لقوله:
لم تتفرق بنا خؤول في العز اخوالنا تميم
اتصف جده حمدان بالشجاعة والكرم , واحتل عمه عبد الله , والد سيف الدولة , بلاد الموصل.
ولد ابو فراس الحمداني سنة 933م في منبج , وهي بلدة سورية تقع شمالي حلب, وقيل انه ولد في الموصل , وهي مدينة تقع في شمالي العراق.
تيتم وهو في الثالثة من عمره, فنشأ في حضانة امه وعطف ابن عمه سيف الدولة.
اما وفاته فكانت قتلا بحد السيف , وكأنه كان يستشرف ذلك عندما قال: وقد علمتني امي بأن منيتـــــــي بحد سنان او بحد قضيــــب
كما علمت من قبل ان يغرق ابنها بمهلكه في الماء ام شبيب .
سيرته واسره:
نشأ ابو فراس في عشيرة عربية تقلب افرادها في الملك و الامارة قرونا عديدة , وكانت لهم احسن سيرة مملوءة بمحاسن الافعال و جميل الصفات من كرم و سخاء وغز و اباء وصولة و شجاعة و فصاحة , وحماية للجار , و حفظ للذمار , و رأي رصين , و عقل رزين , و كلهم او جلهم شعراء مجيدون ,اهل شجاعة و إقدام تعودوا ممارسة الحروب و قيادة الجيوش.
وما هو الا ان يقوى ساعده في الشعر حتى يعجب سيف الدولة بمحاسنه , و يصطنعه لنفسه , و يستصحبه في غزواته , ويستخلفه على اعماله , و حتى يجزيه خير جزاء . ويروى ان ابا فراس كان يوما في مجلس سيف الدولة مع جماعة من الشعراء , فقال سيف الدولة بيتا اجازه ابو فراس , فأعطاه ضيعة في ضواحي منبج تغل الفي دينار كل سنة , حتى اذا بلغ السادة عشرة من عمره قلده منبجا وحران واعمالهما جميعا.
صفاته و اخلاقه :
كان ابو فراس طويلا يدلنا على ذلك قولة:
متى تخلف الايام مثلي لكم فتى طويل نجاد السيف رحب المقلد
وكان فارسا اشترك في المعارك الى جانب سيف الدولة وله من العمر تسع عشرة سنة , شجاعا , ابياً صفوحا سموحا يطلق الاسرى و الاموال لتوسل النساء إليه , صلبا ابيا عزيزا حتى في اسره , ويروى ان الدمستق الرومي اراد ان يغيظه يوما , فقال له: انما انتم كتاب لا تعرفون الحرب , وذلك ردا على بيت ابي فراس القائل:
و صناعتي ضرب السيوف و انني متعرض في الشعر للشعراء
فلم يسكت ابو فراس , وهو بين يديه اسير و بل اجابه قائلا: نحن نطأ ارضك منذ ستين سنة بالسيوف ام بالاقلام؟ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق